تعتبر المصادر
المكتوبة، واحدة من
أهم الطرق التي يسلكهما باحث التاريخ، ويستخدمهما كمرجع لجمع المعلومات التي من
خلالها يستطيع تدوين مؤلفه التاريخي، وتكون على هيئة مخطوطات، أو كتب مطبوعة، أو
مجلات، أو بحوث جامعية، أو بحوث ودراسات موثقة، ويسلك ذلك المسلك التقارير
والوثائق والدراسات والسجلات والاستعارات والمطبوعات الموثقة أو أية منشورات
موثقة، سواء المسجلة بالوسائل التقليدية، أو المسجلة بالوسائل الحديثة، وكذلك كتب
الادبيات المنشورة في الشبكات الإلكترونية، من خلال المواقع البحثية و العلمية
والأدبية والثقافية.
يقول روزنتا في مؤلفه مناهج العلماء
المسلمين في البحث العلمي: إن الشك في الكتابات المدونة بسبب كثرة التحريف التي
تعرضت له الكتب، يبرهن لنا مدى حرص الناس على التعليم الشفوي، والأدلة في ذلك
كثيرة، منها ابن رضوان وابن بطلان الطبيبان اللذان عاصرا القرن الحادي عشر، وقد
حصلا من العلم الكثير، لكنهما لم يحدثان احد بالعلم، فلم يدرك أحد قيمتهما العلمية
وهم أحياء، ولكن على الرغم من احترام الناس للعالم الحافظ فإن الحضارة الإسلامية
قامت على الكلمة المكتوبة، وأغلب الشعر الجاهلي وصل للعرب مكتوبا على الرغم من أنهم أثروا الرواية
الشفهية، والمعرفة في نظر الجاحظ اعتمد حفظها من الفناء والتحريف على التدوين
والكتابة وليست المشافهة، فقد قال في مصنفه الحيوان "كنت في مجالسة أحد
العلماء، وكنت أدون عنه البعض، وأترك الأخر. فقال لي: أكتب كل ما تسمع فإن مكان ما
تسمع أسود خير من مكانه أبيض"( [1]
).
قسم العلماء مصادر
التاريخ الإسلامي إلى قسمين وهما: المصادر والمراجع، فالمصادر هي المؤلفات التي
ألفها المؤرخون المسلمون القدامى الذين ينتمون إلى العصور الإسلامية، وهي كثيرة
ومتعددة على الرغم من أنها فقد منها الكثير، وتنقسم إلى مصادر أوليه وأخرى ثانوية،
والذي حدد هذا
التقسيم الفترة الزمنية التي يتناولها المؤرخ، فمثلا مؤلفات الواقدي عن الفتوحات
الإسلامية في العصر الأموي تعد مصدر أولي، في حين أن مؤلفات ابن الجوزي ( [2]
) في نفس الموضوع تعد مصدر ثانوي، وأما المراجع فهي المصادر التي ألفت حديثا
بواسطة الباحثون العرب والأجانب عن قضايا وشخصيات وأحداث التاريخ الإسلامي معتمدين في مؤلفاتهم على مصادر
المؤرخين القدامى، والتي اعتبرها العلماء مصادر أولية، تتفاوت قيمة المرجع تبعا
لأهمية موضوع الدراسة الذي يتناوله الباحث، وما وصل إليه من نتائج، ونوعية المصادر
التي اعتمد عليها.
أعتبر العلماء
المصدر القديم مصدر أولي يعتمد عليه أكثر من غيرة، وذلك لأن المؤلف قد عاصر هذا
الحدث وكان قريب منه، فمثلا: إذا كان البحث يتناول حدثا وقع في القرن الثالث
الهجري بمدينة العراق، فإن أفضل مصدر لذلك هو كتابات اليعقوبي، لأنه عاصر تلك
الفترة وكان قريبا من الأحداث، كما تعتبر المخطوطات ذات أهمية كبيرة للباحثين في
التاريخ نظرا لاحتوائها على متن المصنف، واحتواء حواشيها على معلومات قيمة في
النقد ( [3] ).
يقول الكتاني:
إن تعريف المعجم لديهم، ما يورد فيه الأحاديث بترتيب الصحابة، أو البلدان، أو
الشيوخ. وفي الغالب يكون ترتيبهم وفقا لحروف الهجاء، ومن أهم المعاجم: معجم أبا
يعلى الموصلي (ت 307 هجريا)، وهو صاحب كتاب المسند، وقال عنه الدار قطني "ثقة
مأمون" حدث عن النسائي، والطبراني، وابن حبان. ومعجم ابن الاعرابي (ت 341
هجريا)، الذي حمل السنن عن أبي داود، وسمع من الزعفراني، والدوري، والمخرمي ( [4] ).
من أنواع
المراجع ايضا المطبوعات التي تصدر على فترات منتظمة، والتي تحوي معلومات هامة، لأنها
تقوم بنشر آخر ما وصل إليه الباحثين، لذلك فإن معلوماتها في الغالب أحدث من معلومات الكتب، ولاسيما المجلات التي
تتخصص في مجال معين من البحث، والتي تتبنى إصدارها مراكز البحوث الأكاديمية، والجامعات، ومراكز إحياء
التراث ومركز دراسات الخليج العربي وغيرها.
عرف التوثيق
علماء اللغة فقالوا: وثق العقد أي سجل بطريقة رسمية، وقالوا وثق فلانا أي يقال فيه
أنه أهل ثقة، كما عرف التوثيق اصطلاحا: أنه تسجيل المعلومات التي أخذها الباحث في
بحثه وارجاعها إلى مصادرها الأولية سواء كان بالاقتباس بالنص أو بفهم معنى الكلام،
وتتمثل أهمية توثيق الكتب والمؤلفات بالمصادر والمراجع القديمة بأنها تعزز مصداقية
البحث أو المؤلف الجديد، كما تحفظ حقوق من اقتبسنا من كتاباتهم، كما تتيح إمكانية
أن يستزيد المطالع لموضوع البحث من خلال مراجعته لتلك المراجع والمصادر القديمة ( [5] ).
ولما كان لابن
دحية مؤلفات كثيرة في التاريخ وغيره، لزمه الإسناد إلى مراجع كثيرة، فإذا نظرنا
إلى مؤلفه "النبراس في تاريخ بني العباس"، نجده قد رجع إلى كتب
تاريخية
كثيرة، منها المعروف والمتداول مثل: كتاب المعرف لابن قتيبة، وكتاب المسعودي،
وكتاب ابن واضح، إلا أن المؤلفات الأخرى ضاعت في زوايا الإهمال، وقد أورد ابن دحية
أسماء كثير من المؤرخين في مؤلفه هذا منهم: الحافظ موفق الدين أبو نصر الطرقي(ت 520هـ)،
وصاحب كتاب "بيان الفرق الناجية"، وابن حزم(ت456 هـ)، وصاحب كتاب "نقط العروس في غريب
التواريخ" -وقد اقتبس منه ابن دحية في النبراس-، وأبو عبدالله بن أبي مريم(ت
224هـ)، وهو صاحب كتاب "تاريخ مصر"، ومحمد بن عبد الملك الهمذاني(ت 526هـ)،
وهو صاحب كتاب "عنوان السير"، وأبو الطيب محمد بن إسحاق ابن الاعرابي،
وهو صاحب كتاب "الفاضل"، وابن زولاق (ت 387هـ)، وله كتاب "أخبار
قضاة مصر"( [6]
).
[1] ) ) قرانتز روزنتال،
مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ترجمة: أنيس فريحة ، ط1، دار الثقافة بيروت ،1961 م ، ص23-24.
[2] ) ) ابن الجوزي: هو أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن
علي المعروف، ولد سنة 500هـ ببغداد، وتوفي سنة 597 هـ، صاحب
التصانيف المشهورة في التفسير والحديث
والفقه والتاريخ والطب، من أشهر مؤلفاته "المنتظم في تاريخ الملوك
والأمم"، هذا الجزء
من كتاب: الإمام الذهبي، سير أعلام
النبلاء، الجزء الحادي والعشرين، (مرجع سابق)، ص366-372.
[3] ) ) قرانتز روزنتال،
مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي، ترجمة: أنيس فريحة ، ط1، دار الثقافة بيروت ،1961 م، ص56-59.
[4] ) ) يوسف المرعشلي، أصول كتابة البحث العلمي ومناهجه:
ومصادر الدراسات الإسلامية، ط2، دار المعرفة بيروت ،2016 م، ص319.
[5] ) ) يوسف المرعشلي، أصول كتابة البحث العلمي ومناهجه: ومصادر
الدراسات الإسلامية، ط2، دار المعرفة بيروت ،2016 م، ص198.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق