الجمعة، 20 يوليو 2018

المشاهدة والمعاصرة


إن المؤرخ الذي يعاصر الأحداث تكون رواياته أصح وأرجح من الذي ينقل الأحداث مشافهة، ويمكن معرفة ذلك عن طريق المصطلحات التي تسبق كتابة الحدث مثل: "سمعت"، "أخبرنا"، "رأيت". فيقول فرانز روزنثال: "إن أهمية أي كتاب إسلامي كمصدر تاريخي يحددها قدمه وقربه من الأحداث التي يصفها" ( [1] ).
ويشترط أن يتصف المؤرخ بالثقة والمصداقية لكي توصف كتاباته كمصدر أولي، ويتمتع بالاعتماد على مشاهدة الأحداث بأم عينه أو سماع الأخبار عمن شاهدوها أو اشتركوا فيها. وتكمن قيمة الأحداث التي يكتبها المؤرخ مشاهدة بأنه سينفرد بذكرها، وقال المسعودي في وصفه لمصنف "الأوراق في أخبار الخلفاء"
للصولي ( [2] ): "أنه ذكر غرائب لم تقع لغيره وأشياء انفرد بها، لأنه شاهدها بنفسه"، ومن الضروري للباحث معرفة موطن المؤرخ وسنة وفاته والأماكن التي مر بها خلال رحلاته، فمن خلال ذلك يحدد مدى مصداقية المؤرخ، عن طريق مقارنة تلك المعلومات مع الأخبار التي تناولها في مؤلفاته ( [3] ).
روى ابن دحية عن الكثير من العلماء المعاصرين له منهم: أبا عبدالله بن زرقون (ت 489 هـ)، وأبا القاسم بن بشكوال (ت 578هـ )، وأبى بكر بن الجد (ت 586هـ )، وأبا عبدالله بن المجاهد (ت 324 هـ)، وأبا محمد بن بونه، وسمع "معجم الطبري" بأصبهان من الإمام أبي جعفر الصيدلاني(ت 568 هـ)، وبالعراق "مسند أحمد" من أبي الفتح المندائي وبنيسابور "صحيح مسلم" عاليا على الفراوي، كما أخذ عن المؤيد الطوسي ( [4] ) وأبي سعيد بن الصفار ( [5] )، كما سمع في مراكش من محمد بن عبدالله بن إدريس العبدري، وقرأ علية مصنف "الجمل" للزجاج، وكان ذلك سنة 565 هـ، كما سمع فيها من العالم اللغوي المعروف بابن شقريق (القاسم بن عبدالله الرعيني) وحفظ من شعره في
أهل البيت الكثير، وكان ذلك سنة 571 هجريا ( [6] )، وسمع ايضا العالم اللغوي أبي الفضل جعفر بن شرف، مؤلف كتاب "الأوضاع في جميع الأنواع" وكتاب "الزمان" الذي عارض فيه كتاب "كليلة ودمنة"، وقد سمع ابن دحية منه كتاب "النظم والنثر" و كتاب "أعلام الكلام" لابن شرف الجذامي (ت 460هـ ) ( [7] ).
يقول ابن دحية في مؤلفه "المطرب من أشعار أهل المغرب" سمعت الكثير من العلم اللغوي أبو القاسم السهيلي وأملى علي كتابه "التعريف والأعلام، فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام"، و سمعت منه مسألة رؤية النبي –صلى الله عليه وسلم– في المنام، ورؤية الله –عز وجل– في المنام، وتفسير الكثير من مسائل في القرآن مثل تفسير الرسول –صلى الله عليه وسلم– عن قول الله تعالى: "قول هو الله أحد"، أنها تعدل ثلث             القرآن ( [8] ).
عاصر ابن دحية الكثير من العلماء الذين سمعوا منه العلم، ففي مؤلفه "النبراس في تاريخ بني العباس"، ذكر أنه سمع جميع هذا الكتاب من الكثير من الشيوخ ومنهم: الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن محمود بن محمد الحسيني الاسكندري، والفقيه سراج الدين أبو محمد عبد الوهاب، والشيخ معين الدين أبو المعالي موسى بن الشيخ الفقيه المقري
النحوي أبي الحسن علي بن عمار الأنصاري، والأمير ضياء الإسلام بهاء الدين الحسيب أبو الفوارس (ت 657 هـ) ( [9] )، كما روى عنه الفقيه شمس الدين أبو محمد عبدالله بن يوسف الجذامي (ابن اللمط وتوفي سنة 657 هـ) ( [10] )، والمحدث عبدالله بن يحيى الغساني (ت 682 هـ) ( [11] ).


[1] ) ) فرانز روزنتال، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة د. صالح أحمد العلي، ط2، مؤسسة الرسالة، 1983م، ص221.
[2] ) ) الصولي: هو أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول، ولد ببغداد، وتوفي بالبصرة سنة 335 هجريا،
       حدث عن الكثير منهم: أبي داود السجستاني، والمبرد، له مؤلفات عدة من أشهرها "الاوراق في أخبار الخلفاء". هذا الجزء من:
       الإمام الذهبي، سير أعلام النبلاء، الجزء الخامس عشر، ط1، مؤسسة الرسالة ،2001، ص302،303.
[3] ) ) أبي الحسن بن علي المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، الجزء الأول، ط1 ، المكتبة العصرية بيروت، 2005م، ص13.
[4] ) ) المؤيد الطوسي: ولد سنة أربع وعشرين وخمسمائة، سمع عن الكثير من العلماء منهم:  الفراوي وقد سمع منه " صحيح مسلم ".
      وسمع " صحيح البخاري " من أبي المعالي الفارسي، و" الموطأ " من هبة الله العتيق، وحدث عنه الكثير منهم: ابن الصلاح،
      وابن نقطة، توفي سنة سبع عشرة وستمائة. هذا الجزء من كتاب:
      الحافظ الذهبي، سير أعلام النبلاء، الجزء الثاني والعشرين، ط1، مؤسسة الرسالة، 2001 م، ص105،106.
[5] ) ) الحافظ الذهبي، العبر في خبر من غبر، الجزء الثالث، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط1 ، دار الكتب العلمية بيروت،
     1985 م، ص217.
[6] ) ) ابن دحية ، المطرب من أشعار أهل المغرب ، تحقيق: براهيم الإبياري ط1 ، دار العلم للجميع بيروت، 1955 م، ص290
[7] ) ) المصدر السابق، ص66
[8] ) ) المصدر السابق، ص237
[9] ) ) ابن دحية ، النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس ، تحقيق عباس العزاوي ، ط1 ، المعارف بغداد ، 1946 م، ص(ق).
[10] ) ) الحافظ الذهبي، العبر في خبر من غبر، (مرجع سابق)، ص286.
[11] ) ) الحافظ الذهبي، العبر في خبر من غبر، (مرجع سابق)، ص349.

ليست هناك تعليقات: